الثلاثاء، 3 يونيو 2014

الناقة في الشعر الجاهلي.. تجليات عشق أسطوري

وصف.. ورحيل .. ودلالات
الناقة في الشعر الجاهلي.. تجليات عشق أسطوري (1-4)
            
بقلم علي المسعودي
كثير من مدلولات الصحراء ومواد البادية اختفت في حقيقتها لكنها بقيت صورة ذهنية في خيال الشاعر يستعملها في قصائده وكأنما هي شاخصة أمامه، فهو يكتب عن الذئب رغم أنه لم يتعامل معه، ويتناول في شعره الحروب رغم أنها في حياته مجرد حكايته سمعها في مجالس الرعيل الأول..
حتى الناقة تحول حضورها في الحياة العامة.. فبعد أن كانت رفيقة سفر.. ومهر حبيبة، لم يبق منها سوى علاقة عاطفية.. تبرز أكثر ماتبرز في مسابقات الركض أو الجمال.
لكنها في الشعر الجاهلي لها وقع مختلف تماما.. كصورة وكدلالة وكبعد ثقافي واجتماعي وأدبي.
وفي بحث قيم للدكتور سعيد حسون العنبكي بعنوان "صورة الناقة في القصيدة الجاهلية بين الوظيفة الشعرية وإنتاج الدلالة الرامزة" ﻻﺣظ فيها أن ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ أو اﻟرﺣﻠـــﺔ ﻋﻣوﻣـــﺎً ﻗـــد ﻋﻛﺳـــت ﻓـــﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬـــﺎ اﻟﺻورة اﻷﺻﻠﺢ واﻷﻗرب ﻟﻠذات اﻟﺷﺎﻋرة ، وﻓﯾﻬﺎ ﻋﻛﺳـت ﺣﯾﺎﺗﻬـﺎ وﺣﯾوﯾﺗﻬـﺎ ﻓـﻲ ﻗوﺗﻬـﺎ ، أو ﺿــﻌﻔﻬﺎ وﻓــﻲ ﺷــﺟﺎﻋﺗﻬﺎ ، وﻓردﯾﺗﻬــﺎ ، ﻛﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻣــن ﺑــﯾن دﻻﻻﺗﻬــﺎ اﻟرﻏﺑــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾــر ﻋــن
ﺧـــوف ﻧﻔﺳـــﻲﱟ طـــﺎغٍ ، وﺟـــدت اﻟـــذات اﻟﺷـــﺎﻋرة ﻓـــﻲ اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ﻣـــﻼذاً ، أو ﻣﻧﻔﺗﺣـــﺎً ﻟرﺣﻠﺗﻬـــﺎ ﻓـــﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺑداﺋل وﻛﺳب اﻟﻣﻌرﻓﺔ.
وﻗد ﺗﺗﻧﺎﺳل ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﺑﺷـﻛل ﻋﺟﯾـب ﻓـﻲ إﺛـراء اﻟدﻻﻟـﺔ اﻟﺷـﻌرﯾﺔ ، وذﻟـك إذا ﻣـﺎ
أﺗﻘــن ﻓــن ﻗراءﺗﻬــﺎ ، ﻓﻬـــﻲ ﺑواﺣــﺔ ﺑﺷــﻛل ﻋﺟﯾـــب ، وﺗﻣﺗﻠــك ﻗــدرة ﻫﺎﺋﻠـــﺔ وﺿــﻌت ﻓــﻲ أﯾـــدي اﻟﺷﻌراء ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﻘﺻدﯾﺔ ذواﺗﻬـم ، ﻓﻬـم ﯾﻛﺷـﻔون ﺑوﺳـﺎطﺗﻬﺎ ﻋـن ﻛﺛﯾـر ﻣـن أﺳـرار ﺑﻧـﺎء اﻟﻔن اﻟﺷﻌري اﻷﺻﯾل ، ﻓﺿﻼً ﻋن إﻣﺗﻼﻛﻬﺎ اﻟﻘدرة ﻋﻠـﻰ ﺗﺟﻠﯾـﺔ ﻛﺛﯾـر ﻣـن أﺳـرار ﺣﯾـﺎﺗﻬم ، وذﻟك ﻋﻧدﻣﺎ ﺗﻌﻣد اﻟذات اﻟﺷﺎﻋرة ﻓـﻲ ﺑﻌـض ﻣـن ﻣﻘﺻـدﯾﺗﻬﺎ إﻟـﻰ ﻛﺷـف ﺧﺑرﺗﻬـﺎ، وﺗﺟرﺑﺗﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻟﺣﯾـﺎة ﻋﺑـر اﻧﺗﻘــﺎل ﺣـرٍ ﻓـﻲ اﻟﺻــﺣراء ، وﻟﺳـﻧﺎ ﻗـﺎدرﯾن ﻋﻠــﻰ ﻣﺟﺎراﺗﻬـﺎ ؛ ﻷﻧﻧـﺎ أﺻــﺑﺣﻧﺎ ﺑﻌﯾــدﯾن ﻋﻧﻬــﺎ ، ﻟﻛــن ﻛﺛﯾــراً ﻣــن اﻟــذﯾن ﻛــﺎﻧوا ﻗــرﯾﺑﯾن ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﺣﯾــﺎة ، ﻗــد ﻋرﻓــوا دﻻﻟــﺔ ﻣــﺎ ﯾﻌﻧﯾﻪ اﻟﺷﻌراء ﻓﻲ ﻗوﻟﻬم: إﻧﻬم ﻗد طـﺎﻓوا ﻛـل اﻷﻧﺣـﺎء ، وإﻧﻬـم ﻗـد أﺿـﻧوا إﺑﻠﻬـم ﻷﺟـل ذﻟـك ﺣﺗﻰ أﻧﻬم ﻗد رﺿوا ﻣن ﻛل ﻫذا اﻟﺗطواف ﺑﻐﻧﯾﻣﺔ اﻹﯾﺎب ، وﻟﯾس ﺑﻌﯾداً ﻋن ذﻟـك ﻣـﺎ ﻧﺳـب إﻟﻰ ﺳﯾدﻧﺎ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪُ ﻋﻧدﻣﺎ ﻗال : "ﻓﻠـو رﻛﺑـﺗم اﻹﺑـل ﻷﺿـﻧﯾﺗﻣوﻫنﱠ ﻗﺑــل أن ﺗـدرﻛوﻫنﱠ"
. ﻓﺎﻹﻣـــﺎم ﻋﻠـــﻲ ﻗـــد ﻗـــرن اﺿـــﻧﺎء اﻹﺑـــل ﺑﻛﺳـــب اﻟﻣﻌرﻓـــﺔ ، ﺗﻣﺎﻣـــﺎً
ﻣﺛﻠﻣﺎ ﻓﻬﻣﻪ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ .





إنﱠ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺧطــﺎب اﻟﺷــﻌري اﻟﺟــﺎﻫﻠﻲ ﻛﻣــﺎ أﺛﺑﺗــﻪ اﻟﺑﺣــث الذي أعده د.العنبكي ﺑــدت ﺻــورة ﻣراوﻏــﺔ ﻻ ﺗﻌطــﻲ ﻧﻔﺳــﻬﺎ ﺑﺳــﻬوﻟﺔ ، ﻓﻬــﻲ ﻋــﺎﻟم ﺧﺻــب وﺑــواح ﺑﺎﻟــدﻻﻻت اﻟﺷــﻌرﯾﺔ اﻟﻛﺛﯾﻔــﺔ، ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺷﺄن ﻛﺛﯾر ﻣن ﺻور اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث اﻟﻣﺷﺑﻌﺔ ﺑﺎﻟدﻻﻟﺔ واﻟرﻣز. وﻗد ﺳﻠك اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻘدﯾم ﻣﻧﺎﺣﻲ ﻋدة ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋـن دﻻﻻﺗـﻪ وﻣراﻣﯾـﻪ ﻣـن ﺧـﻼل ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ، اﻟﺗﻲ ﺣﻣّﻠﻬﺎ ﻛﺛﯾراً ﻣن ﻣﺷﺎﻋرﻩ ، أو ﺣﻧﯾﻧﻪ وﻓرﺣﻪ وﺣزﻧﻪ ، وﻟﻌل ﻛﺷـﻔﺎً أوﻟﯾـﺎً ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﯾﻣﻛن أن ﻧﻠﻣﺣـﻪ ﻓـﻲ ﺻـورة ﻧﺎﻗـﺔ اﻟﻣـﺗﻠﻣس اﻟﺿﱠـﺑﻌﻲ اﻟﺗـﻲ ﺗﻌـدﱡ إﻧﻣوذﺟـﺎً ﻓرﯾـداً ﻟﻬـــذﻩ اﻟـــدﻻﻻت اﻟﻐﻧﯾـــﺔ ﺑﺎﻟﻣﺷـــﺎﻋر واﻟﻌواطـــف اﻟﻣﺧﺗﻠﻔـــﺔ، وﻣﺛﻠﻬـــﺎ ﺻـــورة ﻧﺎﻗـــﺔ اﻟﻣﺛﻘـــب اﻟﻌﺑدي " ﻣطرﻗﺔ اﻟﻘﯾون"، وﻧﺎﻗﺔ طرﻓﺔ ﺑن اﻟﻌﺑد " ﻗﻧطرة اﻟروﻣﻲ"، واﻟﻘﺎﺋﻣـﺔ ﻓـﻲ ذﻟـك ﺗطـول وﺗﻛﺑــر، إذ ﻣــﺎ ﻣــن ﺻــورة ﻟﻠﻧﺎﻗــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺷــﻌر اﻟﺟــﺎﻫﻠﻲ ، إﻻّ وﻫــﻲ ﻗــد ﺗرﺑﻌــت ﻋﻠــﻰ ﻣﺣــور اﻷﺷــــﯾﺎء اﻷﺛﯾــــرة ﻋﻧــــد أوﻟﺋــــك اﻟﺷــــﻌراء ، وقد تناول البحث ﺗﺟﻠﯾــــﺎت ذﻟــــك اﻟﻣﺣــــور ، مشيرا إلى إن اﻟﺷــــﻌراء ﺗﺟــــﺎوزا ﻓــــﻲ ﺻــــورﻫم اﻟﺷــــﻛل اﻟﺳــــطﺣﻲ اﻟــــذي ﺑﻧــــوﻩ ﻟﻧــــوﻗﻬم، وا ن ﻛـــﺎن ﻫـــذا اﻟﻣﺳـــﺗوى ﯾﺑـــدو أﻛﺛـــر ﺻـــور اﻟﻘﺻـــﯾدة اﻟﺟﺎﻫﻠﯾـــﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾـــﺔ واﺣﺗﻔـــﺎء ﺑﺄوﺻــﺎف اﻟﻧﺎﻗــﺔ ، وﻛــﺎن دﯾــدن اﻟﺷــﻌراء ﻣــن رﺳــم أوﺻــﺎف اﻟﻧﺎﻗــﺔ أو ﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻟظﻬــور
أو اﻟرﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑﻧﺎء ، ﻫو ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﺳﺗوى اﻟدﻻﻟـﺔ واﻟرؤﯾـﺎ اﻟﻧﺻـﯾﺔ ﻟﻛـل ذات ، داﺧل ﻋﺎﻟم اﻟﻧص ، وﺗﺣدﯾداً ذات اﻟﺷﺎﻋر، وﯾﺑدو أن ﻫـذا اﻟﻣﺳـﺗوى ﻣـن اﻟﺗﻌﺑﯾـر ﻟـم ﯾﻛـن ﻧﺎﺟﻣﺎً ﻣن ﻓراغ ﺳواء أﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟرؤﯾﺎ ، أم ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﺟﻣـﺎﻟﻲ واﻟﺷـﻌري ، ﻓﺎﻟــذات اﻟﺷــﻌرﯾﺔ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾــﺔ ﺗﺗﺧــذ ﻣــن ﻛــل أﺷــﯾﺎء اﻟﺣﯾــﺎة ﻣﺎدﺗﻬــﺎ ﻟﺻــﻧﻊ ﺗﺟرﺑﺗﻬــﺎ ، وﻛﺎﻧــت آﻟﯾـﺔ ﻋـرض ﻫــذﻩ اﻟﺗﺟـﺎرب ﺗﺧﺗﻠــف ﻣـن ﺷــﺎﻋر إﻟـﻰ آﺧـر ، وﻫــﻲ ﻓـﻲ اﻷﻋــم اﻷﻏﻠـب ﺗﺗــوزع ﺑـــﯾن اﻟﺗﻌﺑﯾـــر اﻟـــدال اﻟـــدﻗﯾق أو اﻟوﺻـــف اﻟﻌـــﺎم . ﻓﺄﻣـــﺎ اﻟﻣﻠﻣـــﺢ اﻷول ﻓﯾﺗﺟﺳـــد ﻓـــﻲ ﻋـــرض اﻟﻣوﺿــوع ﻟــﯾس ﻋــن طرﯾــق اﻟوﺻــف اﻟﻌــﺎم، ﺑــل ﻋــن طرﯾــق اﻟﺗﻣﺛﯾــل ، أو اﻟﺻــورة اﻟﺟزﺋﯾــﺔ
واﻟﻣرﻛﺑـــﺔ ، أو إﻗﺗﺑـــﺎس ﺻـــورة أو ﻣﺷـــﻬد ،أو ﺟـــزء ﻣـــن ﺷﺧﺻـــﯾﺔ ، أو ذات ﻣﻌﯾﻧـــﺔ ﻟﺗﺣـــل ﻣﺣــل اﻟﻣوﺿــوع ، وﺗﺷــﯾر إﻟﯾــﻪ . وﯾﺻــدق ذﻟــك ﻋﻠــﻰ ذوات ﻗﺻــص اﻟﺣﯾــوان اﻟﺗــﻲ ﻧﺟــدﻫﺎ ﻣﺑﺛوﺛــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻘﺻــﯾدة ﺿــﻣن أﺳــﻠوب ﺗــداﻋﻲ اﻷﻓﻛــﺎر ، ﻻﺳــﯾﻣﺎ ﺧــﻼل رﺳــم ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ . وﺗﺟـــدر اﻹﺷـــﺎرة ﻫﻧـــﺎ إﻟـــﻰ أن اﻟﺷـــﺎﻋر ، وﻫـــو ﯾـــورد ﻛﻠﻣﺎﺗـــﻪ ﻓـــﻲ ﺗﻠـــك اﻟﺻـــور أو اﻟﻣﺷـــﺎﻫد
ﻟﻠدﻻﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺷــﯾﺎﺋﻪ ﻓــﺈن ﻫــذﻩ اﻷﺷــﯾﺎء ﻻ ﺗﻛــون ـ ﻋﻧــد رؤﯾــﺔ اﻟﺷــﺎﻋر ﻟﻬــﺎ ـ ﻣﻧﻔﺻــﻠﺔ ﻋــن ﺷﺧﺻﯾﺗﻪ ، ﻓﻬﻲ ﻟﯾﺳت أﺷـﯾﺎءً رؤﯾـت ﻓـﻲ ﺑـراءة اﻟرؤﯾـﺎ دون أن ﺗﻼﻣﺳـﻬﺎ ﻋواطـف اﻟﺷـﺎﻋر ، وﻫذا ﻣن اﻷﻫﻣﯾﺔ ﺑﻣﻛـﺎن ، ﻷن اﻟﺷـﺎﻋر "ﯾﺗوﺟـﻪ ﻧﺣـو أﺷـﯾﺎء اﻟﻌـﺎﻟم ﻟﯾﻛﺗﺷـﻔﻬﺎ ، وﺑـذا ﻓﻬـو ﯾﻛﺗﺷـــف ﻧﻔﺳـــﻪ ، وﻫـــو ﯾﻧظـــر إﻟﯾﻬـــﺎ . وﯾﺻـــدق ﻫـــذا اﻷﻣـــر ﻋﻠـــﻰ ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ وﻣـــﺎ
ﯾﺗﺻل ﺑﻬﺎ ﺿﻣن ﻣﺷﺎﻫد ، وﺻور اﻟﺣﯾواﻧﺎت اﻷﺧرى .
ﻓـــﺎﻣرؤ اﻟﻘـــﯾس ، ﻛﻣـــﺎ ﻫـــو ﻣﻌـــروف ﻋﻧـــﻪ ، ﻗـــد ﻓـــﺗﺢ ﻛﺛﯾـــراً ﻣـــن أﺑـــواب وﻣﻌـــﺎﻧﻲ اﻟﺷـــﻌر ، وﻟﺣﻘـﻪ إﻟﯾﻬــﺎ اﻟﺷـﻌراء ﻣــن ﺑﻌـدﻩ ، ﻓــﺈن دﻻﻟـﺔ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ ﻫﻧــﺎ ﻓـﻲ إحدى قصائده ﻻ ﺗﺗﺟﺎوز دﻻﻟﺔ رﺣﻠﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ، أو ﺑﺻﯾﻐﺔ أﺧـرى ﻫـﻲ اﻟرﺣﻠـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺗـﺄطر ﺑﻬـدف اﻹﺛـراء ﻣــن ﻣﻌــﺎﻧﻲ اﻟﺣﯾـﺎة اﻟﻛﺛﯾــرة ، وان اﻟرﺣﻠــﺔ ﻫـﻲ رﺣﻠــﺔ اﻟــوﻋﻲ واﻻﻛﺗﺷـﺎف، وﻫــﻲ رﺣﻠــﺔ اﻟﺗﺟﺎرب إذ ﯾﺷﯾر إﻟﻰ ذﻟك ﺻراﺣﺔً ﻓﻲ قوله :
ﻓﺑﻌضٌ اﻟﻠومَ ﻋﺎذﻟﺗــﻲ ﻓﺎﻧﻲ
ﺳﺗﻛﻔﯾﻧﻲ اﻟﺗﺟﺎربُ واﻧﺗﺳــﺎﺑﻲ
ﺛــم ﯾﻛﺷــف ﺑﺻــﯾﻐﺔ اﻻﺳــﺗﻔﻬﺎم اﻹﻧﻛـــﺎري ﻋــن طﺑﯾﻌــﺔ ﺗﻠــك اﻟﺗﺟــﺎرب أو اﻟﻣﻌـــﺎرف اﻟﻣﺳﺗﻣدة ﻣن رﺣﻠﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ:
أﻟَــــــــمْ أﻧــــــــض اﻟﻣطــــــــﻲﱠ ﺑﻛــــــــلِ ﺧــــــــرقٍ
أﻣــــــــقﱡ اﻟطــــــــول ، ﻟﻣــــــــﺎع اﻟﺳــــــــراب
وأرﻛـــــبْ ﻓـــــﻲ اﻟﱠﻠﻬـــــﺎم اﻟﻣَﺟْـر، ﺣﺗـــــﻰ
أﻧــــــــــﺎلُ ﻣﺂﻛــــــــــل اﻟﻘُﺣــــــــــم اﻟرّﻏــــــــــﺎبِ
وﻗــــــد طوﻗــــــت ﻓــــــﻲ اﻵﻓــــــﺎقِ ، ﺣﺗــــــﻰ
رﺿــــــــﯾتُ ﻣــــــــن اﻟﻐﻧﯾﻣــــــــﺔِ ﺑﺎﻹﯾــــــــﺎبِ
ﻓــﻲ اﻷﺑﯾــﺎت اﻟﺛﻼﺛــﺔ ﺛــﻼث ﺻــور ﺗــرﺗﺑط ﺑﻌﻼﻗــﺎت وﺛﯾﻘــﺔ ﺟﻣﯾﻌﻬــﺎ ﺗﺷــﯾر إﻟــﻰ زﻣــن اﻻﻣﺗﻼء واﻟﺣﯾوﯾـﺔ اﻟﻣﺟﻧﯾـﺔ ﻣـن اﻟرﺣﻠـﺔ ﻋﻠـﻰ ﻧﺎﻗـﺔ أﻫزﻟﻬـﺎ اﻟﺳـﻔر ، وﻫـﻲ دؤوب اﻟﺳـﯾر ﺑﻛـل ﻓـــﻼة ﻣﻧﺧرﻗـــﺔ طوﯾﻠـــﺔ ، واﻟﻼﻓـــت أن اﻟﻠﻔظـــﯾن أﻣـــق واﻟطـــول وﻫﻣـــﺎ ﺑﻣﻌﻧـــﻰ اﻟطـــول أﺿـــﯾف أﺣــدﻫﺎ إﻟــﻰ اﻵﺧــر ﻻﺧــﺗﻼف اﻟﻠﻔظــﯾن ، وأراد اﻟﻣﺑﺎﻟﻐــﺔ ﻛــذﻟك ﺗــﺄﺗﻲ ﻟﻣﺣــﺔ / ﻟﻣــﺎع اﻟﺳــراب ﺗﻛﺛﯾﻔــﺎً ﻟدﻻﻟــﺔ طـــول اﻟرﺣﻠــﺔ وﻣﺻـــﺎﻋﺑﻬﺎ، إذ ﺗﺗﺳــﺎوى ﻓﯾﻬـــﺎ اﻷﺷــﯾﺎء ﺑـــﺎﻟطول ، وﺷــدة اﻟﺣـــر ﻓﻛﺄﻧﻪ ﻫو ﯾﻠﻣﻊ وﯾﺿطرب . أﻣﺎ اﻟﺻورﺗﺎن اﻷﺧرﯾﺗﺎن / اﻟﺟـﯾش اﻟﻠﻬـﺎم اﻟﻣﺟـر / واﻟﺗطـواف
اﻟﻣﺗﻛـرر ﻓـﻲ اﻵﻓــﺎق وﻏﻧﯾﻣـﺔ اﻹﯾــﺎب ، ﻓﻬـﻲ ﺟﻣﯾﻌﻬـﺎ ﺗﻛﺛﯾــف ﻟرﺣﻠـﺔ اﻟﻣﻌرﻓــﺔ اﻟﺷـﺎﻗﺔ ، اﻟﺗــﻲ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ دواﻓﻌﻬﺎ ﻫو اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣﯾﺎة ﺗﺣدﯾداً ، وﻫﻲ ﻻ ﺗﻌﻧﻲ أﻧﻬﺎ ﻟـم ﺗﺛﻣـر، أو إﻧﻬــﺎ ﺑــﻼ ﺟــدوى ؛ ﻷﻧﻬــﺎ اﻧﺗﻬــت ﺑﺎﻟرﻏﺑــﺔ اﻟﺟﺎﻣﺣــﺔ ﺑﻐﻧﯾﻣــﺔ اﻟﻌــودة واﻹﯾــﺎب وإﻧﻣــﺎ ﻷن رﺣﻠــﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻫﻛـذا ﻟـم ﺗﺳـﺗطﻊ أن ﺗوﻗـف ﺣـس اﻟﻣـوت أو إدراك ﺣـس اﻟﻣـوت اﻟﺟـﺎﻣﺢ. وﻫﻧـﺎ ﻻ ﯾﻣﻛــن أن ﻧــﺗﻠﻣس دﻻﻟــﺔ ﻟرﺣﻠــﺔ اﻟﺷــﺎﻋر أو ﻣــﺎ ﯾﺗﺻــل ﺑﻬــﺎ ﻣــن ﻣﻌﻧــﻰ ﻣــن دون أن ﻧﺳــﺗذﻛر ﺗﻠك اﻟدﻻﻟﺔ اﻟطﺎﻏﯾـﺔ ﻟدﻻﻟـﺔ رﺣﻠـﺔ اﻹﻧﺳـﺎن ﻓـﻲ اﻟﺣﯾـﺎة ﻣﺛﻠﻣـﺎ ﻧﻘﻠﺗﻬـﺎ ﻣﻠﺣﻣـﺔ ﻛﻠﻛـﺎﻣش ، ﺗﻠـك اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻣﻔﻌﻣﺔ ﺑﺻور اﻻﻣﺗﻼء واﻟﺣﯾوﯾـﺔ واﻟﺧﺑـرة واﻟﺗﺟرﺑـﺔ اﻟﻣﻌﺟوﻧـﺔ ﺑﺎﻛﺗﺷـﺎف اﻟﺣﯾـﺎة ﻓـﻲ رﺣﻠﺔ زاﺧرة ﺑﺎﻷﺣداث ﻟﻧﺳﻣﻊ ﻛﻠﻛﺎﻣش ﯾﺗﺣدث ﻋن ﺗﻠك اﻟرﺣﻠﺔ ﻓﻲ أﺣـد ﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻬـﺎ اﻟﺗـﻲ ﻫـﻲ أﻗرب ﺷﺑﻬﺎً ﺑرﺣﻠﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟﺳدﻫﺎ اﻣرؤ اﻟﻘﯾس ﻓﻲ ﻣﻘطﻌﻪ اﻟﺳﺎﺑق
ﻓﻣﺎ أﻗرب ﻫذﻩ اﻟﺻورة ﻣن ﺻورة رﺣﻠـﺔ اﻟﻣﻌرﻓـﺔ واﻟﺣﯾوﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ
ﯾﺟﺳـدﻫﺎ ﻣﻌــود اﻟﺣﻛﻣــﺎء ﻣﻌﺎوﯾـﺔ ﺑــن ﻣﺎﻟــك ﻓـﻲ ﻗﺻــﯾدﺗﻪ اﻟﺑﺎﺋﯾــﺔ اﻟﻣﺷـﻬورة ، إذ ﺗﺑــرز ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﺑﻠﻣﺣﺔ ﻣﻘﺗﺿﺑﺔ ﺗﻣﺎﻣﺎً ﻣﺛل ﻟﻣﺣﺔ اﻣريء اﻟﻘﯾس إذ ﯾﻘول :
وﻧﺎﺟﯾــــــــــﺔ ﺑﻌﺛــــــــــتُ ﻋﻠــــــــــﻰ ﺳــــــــــﺑﯾل
ﻛــــــــــــﺄنﱠ ﻋﻠــــــــــــﻰ ﻣﻐﺎﺑﻧﻬــــــــــــﺎ ﻣَﻼَﺑــــــــــــﺎ
ذﻛـــــرتُ ﺑﻬـــــﺎ اﻹﯾـــــﺎبِ وﻣـــــن ﯾﺳـــــﺎﻓر
ﻛﻣـــــــــــﺎ ﺳــــــــــــﺎﻓرتُ ﯾــــــــــــذّﻛر اﻹﯾﺎﺑــــــــــــﺎ
أما ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻓــﻲ ﻣﻌﻠﻘــﺔ طرﻓــﺔ ﺗﻧﺗﻘــل ﻣــن ﻣﺳــﺗوى اﻟواﻗــﻊ إﻟــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟدﻻﻟــﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﺟﻬﻬﺎ ﻣﻘﺻدﯾﺔ اﻟذات، وﺗﺣﻛﻣﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻛﺎﺷـﻔﺔ ﻋـن ﺑﻌـض اﻷﺳـرار اﻟﺗـﻲ ﺗوﺣﻲ ﺑﻬﺎ اﻟذات ﺑطرﯾـق ﻏﯾـر ﻣﺑﺎﺷـر ﻣﻣـﺎ ﯾﺟﻌـل اﻟدﻻﻟـﺔ اﻟﻣﻧﺗﺟـﺔ وﻫـﻲ ﻋـﺎدة ﻣـن أﻏﻣـض اﻟدﻻﻻت، ﺗﺳﺗﺧﻠص ﻣن اﻟﻣﺣﺗوى ، وﻟﯾس ﻋن طرﯾق اﻟرﺑط ، أو اﻟﺗﺷـﺑﯾﻪ ، أو اﻹﺷـﺎرات اﻟﺻــرﯾﺣﺔ ﻋﻠــﻰ طﺑﯾﻌــﺔ اﻟﻌﻼﻗــﺔ اﻟﻣﻘﺻــودة ، ﻷﻧﻬــﺎ ﺗﺗﻠــون ﺗﺑﻌــﺎً ﻟطﺑﯾﻌــﺔ اﻟــرؤى ، ودﻻﻻت اﻟﺻــور اﻷﺧــرى ﻓــﻲ اﻟﻘﺻــﯾدة ، إذ ﺟــﺎءت ﻣﻔﻌﻣــﺔ ﺑﻣﻌــﺎﻧﻲ اﻟﻔﺗــوة اﻟﻣﻌﺟوﻧــﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌرﻓــﺔ ، أو اﻟﺗﺟرﺑــﺔ ، وﻗـــد ﺗﻛـــون ﺣﯾـــﺎزة ﻟﻣطﺎوﻟـــﺔ اﻟـــذات ، وﻓردﯾﺗﻬـــﺎ ﺿـــداً ﻋﻠـــﻰ ﺗﺣـــدﯾﺎت اﻟﻣﻔﺎرﻗـــﺔ أو ﻹﻗﺻﺎء اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻬﻬﺎ اﻟذات ﻓﺗﻌﻛس ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﺟﺎﻧﺑﺎً ﻣن ﻫـذﻩ اﻟﻣطﺎوﻟـﺔ ، وﻹﺑـراز ﺣـدة
اﻟﺻراع إذ ﯾﻘول طرﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺗﻪ
:
وإﻧــــﻲ ﻷﻣﺿــــﻲ اﻟﻬــــم ﻋﻧــــد اﺣﺗﺿــــﺎرﻩ
بعوجاء مرقالٍ تروحُ وتغتدي
أﻣـــــــــــون ﻛـــــــــــﺄﻟواح اﻻران ﻧﺳـــــــــــﺄﺗﻬﺎ
على لاحب كأنهُ ظهرُ بُرجد
ﺗﺑــــــــﺎرى ﻋﺗﺎﻗــــــــﺎً ﻧﺎﺟﯾــــــــﺎت واﺗﺑﻌــــــــت
وَظيفاً وَظيفاً فَوق مَورٍ مُعبَّدِ
ﺗَرﺑﱠﻌــــت اﻟﻘﻔــــﯾن ﻓــــﻲ اﻟﺷــــوْ ل ﺗَرْﺗﻌِــــﻲ
حدائق موليِّ الأسرَّة أغيد
ﺗرﯾــــﻊ إﻟــــﻰ ﺻــــوت اﻟﻣﻬﯾــــب وﺗﺗﱠﻘــــﻲ
بِذي خُصَلٍ، رَوعاتِ أكلَفَ مُلبِدِ
ﻛــــــــﺄن ﺟﻧــــــــﺎﺣﻲ ﻣﺿْ ــــــــرﺣﻰﱟ ﺗﻛﻧﻔــــــــﺎً
حِفافَيْهِ شُكّا في العَسِيبِ بمَسرَدِ
ﻓطــــــوراً ﺑــــــﻪ ﺧﻠــــــف اﻟزﻣﯾــــــل وﺗــــــﺎرة
على حشف كالشنِّ ذاوٍ مجدّد
ﻟﻬــــﺎ ﻓَﺧْ ــــذان أﻛﻣــــل اﻟــــﻧﱠﺣضُ ﻓﯾﻬﻣــــﺎ
كأنّهُما بابا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ
و طــــــــﻲ ﻣﺣــــــــﺎل ﻛــــــــﺎﻟﺣﻧﻲﱢ ﺧُﻠُوﻓُــــــــﻪ
وأجرِنَة ٌ لُزّتْ بِدَأيٍ مُنَضَّدِ
ﻛــــــــﺄن ﻛﻧﺎﺳــــــــﻲْ ﺿــــــــﺎﻟﺔ ﯾﻛﻧﻔﺎﻧﻬــــــــﺎ
وَأَطرَ قِسيٍّ تَحتَ صُلبٍ مُؤَيَّدِ
ﻟﻬــــــــــﺎ ﻣِرﻓَﻘــــــــــﺎن أﻓــــــــــﺗﻼت ﻛﺄﻧﻣــــــــــﺎ
تَمُرُّ بِسَلمَي دالِجٍ مُتَشَدَّدِ
ﻛﻘﻧطـــــــــرة اﻟروﻣـــــــــﻲ اﻗﺳـــــــــمَ رﺑﱡﻬـــــــــﺎ
لتكفننْ حتى تُشادَ بقرمد
ﺻـــــــﻬﺎﺑﯾﺔ اﻟﻌﺛﻧـــــــون ﻣوﺟـــــــدة اﻟﻘـــــــرا
بعيدة ُ وخد الرِّجل موَّراة ُ اليد
أﻣـــــرت ﯾـــــداﻫﺎ ﻓَﺗَـــــل ﺷـــــزرٍ وأﺟﻧﺣـــــت
لها عَضُداها في سَقِيفٍ مُسَنَّدِ
ﺟﻧُــــــوح دﻗــــــﺎقٌ ﻋﻧْــــــدلٌ ﺛــــــم أﻓرﻋــــــت
لها كتفاها في معالى ً مُصعَد
ﻛـــــﺎنَ ﻋُﻠُـــــوب اﻟﻧﺳـــــﻎ ﻓـــــﻲ دأﺑﺎﺗﻬــــــﺎ
مَوَارِدُ مِن خَلْقاءَ في ظَهرِ قَردَدِ
ﺗﻼﻗــــــــــﻲ وأﺣﯾﺎﻧــــــــــﺎً ﺗﺑــــــــــﯾن ﻛﺄﻧﻬــــــــــﺎ
بَنائِقُ غُرٌّ في قميصٍ مُقَدَّدِ
واﺗﻠــــــــﻊ ﻧﻬــــــــﺎض إذا ﺻــــــــﻌﱠدت ﺑــــــــﻪ
كسُكان بوصيٍّ بدجلة َ مُصعِد
وجمجمة ٌ مثلُ العَلاة كأنَّما
وعى الملتقى منها إلى حرف مبرَد
وخدٌّ كقرطاس الشآمي ومشْفَرٌ
كسَبْتِ اليماني قدُّه لم يجرَّد
            

إنﱠ ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ﻋﻧـــد طرﻓـــﺔ ، ﻫـــﻲ اﻟدﻻﻟـــﺔ اﻷﺳـــﻣﻰ واﻟﺗﺟﺳـــﯾد اﻷﻛﻣـــل ﻟﺗﻔﺟـــر اﻟﺣﯾوﯾــﺔ ، وﻓــﯾض اﻟﻘــوة اﻟﻣﻐﻣــورة ﻓــﻲ ذاﺗــﻪ . ﻓﺎﻟﺷــﺎﻋر ﯾــوﺣﻲ ﺑﻬــذﻩ اﻟــدﻻﻻت ﻋــن طرﯾــق إﯾــراد ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﺑﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻬــﺎ اﻟﻣﺗﻧوﻋــﺔ ، وﻣــن ﺧــﻼل ﺑﻧﺎﺋﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺻــف ﻣﺗﻧــﺎﻏم ﻣــﻊ دﻻﻻت ﺻور اﻟﻘﺻﯾدة اﻷﺧرى ، وﻻ ﯾُﺳـﺗﺑﻌد أن ﯾﻛـون ﻫـذا اﻟﺗﺟﺳـﯾد اﻟﻣﻔﻌـم ﺑﺎﻟﺻـﻼﺑﺔ واﻟﻘـوة ﻟﻧﺎﻗـﺔ طرﻓـــﺔ ﯾﺧﻔـــﻲ ﻧوﻋـــﺎً ﻣـــن زﻣـــن اﻟﻧﺿـــوب اﻟـــذي ﺗﻌﯾﺷـــﻪ ذات اﻟﺷـــﺎﻋر ، وﻫـــذا ﻣـــﺎ دﻓﻌـــﻪ إﻟـــﻰ
اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻧﺣو اﻟﻣﺣﯾط اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﻟﺧﻠق ﻣﺣﻛﺎت ﻓﻧﯾﺔ ﺗﻔﻌل ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط ﺗﺟﻠﯾـﺎت ﻣﻔﻌﻣـﺔ
ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ .
إنﱠ ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﻋﻧد طرﻓﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺗﺳﻠﺳل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺑـﯾن ﺻـور اﻟﻘﺻـﯾدة ﺗﻣﺛـل
ﺗﺻــﻌﯾداً ﻓﻧﯾــﺎً ﺑــﺎﻫراً ﯾﺟﻠــﻲ اﻟﺷــﺎﻋر ﻓﯾــﻪ اﺣﺗﻔــﺎءﻩ ﺑﻐــزارة اﻟﺷــﺑﺎب واﻟﻔﺗــوة ، ﻓــﻲ ﻣﻘﺎﺑــل اﻟﺣــزن واﻟﺗوﺗر اﻟﻌﻣﯾق ، اﻟذي ﯾﻛﺷف ﻋﻧﻪ اﻟﺷﺎﻋر ﻣﻧذ اﻟﻠﺣظﺔ اﻷوﻟـﻰ ﻓـﻲ ﻗﺻـﯾدﺗﻪ ، أﻣـﺎ ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ ﻓﺄﻧﻬـﺎ ﺗﻣﺛـل ﻗﻣــﺔ اﻻﺗﺣـﺎد ﺑـﯾن اﻟﺷـﺎﻋر وﻧﺎﻗﺗــﻪ ، إذ ﻻ ﺗﻌـدو اﻟﻧﺎﻗـﺔ أن ﺗﺷـﻛل اﻟﺷــﺎﻋر ﺑﻛﯾﺎﻧـﻪ ، وﺗﺟرﺑﺗــﻪ اﻟﻣﻌﺟوﻧــﺔ ﺑـﺎﻟزﻣن ﻣــن ﺣﯾــث اﻻﻧــدﻓﺎع واﻟﺻـﻼﺑﺔ ، ﻓﺎﻟﻧﺎﻗــﺔ واﻟﺷــﺎﻋر ﻫﻣــﺎ ﺷﺧص واﺣد . وﻣن ﺛم ﻓﺈن ﻛﺛﯾراً ﻣن اﻹﺷﺎرات اﻟﺗـﻲ أظﻬرﺗﻬـﺎ ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ ﻣـﻊ اﺣﺗﻔﺎظﻬـﺎ ﺑــدﻻﻻﺗﻬﺎ ﻋﻠــﻰ ﻣﻐــزى اﻟﺻــﻼﺑﺔ واﻟﻘــوة ﻋﻧــد اﻟﺷــﺎﻋر اﻟﻌرﺑــﻲ ، ظﻠــت ﻛــذﻟك ﺗﻣﺛــل ﻣﻌــﺎدﻻً ﺷﻌرﯾﺎً ﯾﻌﻛس ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺷﺎﻋر ﻛﺛﯾراً ﻣﻣﺎ ﯾﺟﯾش ﻓﻲ دواﺧﻠﻪ ﻣن اﻟﻣواﻗف واﻟرؤى .ﻓﺎﻟﻧﺎﻗﺔ ﻣﺣﻔل أﻣﯾن ﻻﺳﺗﺑطﺎن أدق ﻣﺷﺎﻋر ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ . وﺗﺑـدو ﻧﺎﻗـﺔ طرﻓـﺔ ﻓـﻲ أوج ﺻورﺗﻬﺎ اﻷﺳطورﯾﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﻣﺛـل ﻫـذﻩ اﻹﺳـﻘﺎطﺎت اﻟﻔﻧﯾـﺔ وﻟﻌﻠﻧـﺎ ﻧﺳـﺗطﯾﻊ أن ﻧﻠﻣـﺢ ذﻟـك ﻓـﻲ ﺣﺷــد اﻟﺻــور اﻟﻛﺛﯾــرة اﻟﺗــﻲ ﻫﯾــﺄ ﻟﻬــﺎ اﻟﺷــﺎﻋر . ﻓﻬــﻲ أوﻻً ﻣﺛــل " أﻟــواح اﻷران " وﻫــو ﺧﺷــب ﺗﺻﻧﻊ ﻣﻧﻪ ﺗواﺑﯾت ﺳﺎدة اﻟﻘوم ، ﻓﺎﻟﺻورة ﻫﻧﺎ وا ٕ ن ﻛﺎﻧت ﻏﯾر ﻣﻧﺳـﺟﻣﺔ ﻣـﻊ ﺳـﯾﺎق اﻻﻓﺗﺗـﺎن، واﻟﺣﯾوﯾﺔ اﻟطﺎﻏﯾﺔ ﻹﺣﺳﺎس اﻟﺷﺎﻋر ﺑﺎﻟﺻﻼﺑﺔ إﻻّ أﻧﻬﺎ ﻓﻲ واﻗـﻊ اﻷﻣـر ﺗﻛﺷـف ﻋـن ﺣـدة ﻫذا اﻹﺣﺳﺎس .
وﻓـــــﻲ ﺻـــــورة ﻧﺎﻗـــــﺔ طرﻓـــــﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎظﻣـــــﺔ ﻧﻠﻣـــــس ﻫـــــذا اﻻﺣﺗﻔـــــﺎء ﺑﺻـــــورة اﻟﻣﻌـــــﺎدل اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ، إذ ﺗﻐـدو اﻟﻧﺎﻗـﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎظﻣـﺔ ﺻـورة داﺧﻠﯾـﺔ ﻟﻠﺷـﺎﻋر طرﻓـﺔ . ﻣﺛﻠﻣـﺎ ﻫـﻲ ﺗﻌﺑﯾـر ﻋن ﻣﺷﺎﻋرﻩ ووﺟداﻧﻪ اﻟداﺧﻠﻲ إذ ﯾﻘول:
أﻣون ﻛﺄﻟواح اﻷرانِ ﻧﺳﺄﺗﻬــﺎ
 ﻋﻠﻰ ﻻﺣب ﻛﺄﻧﻪُ ظﻬر ﺑرﺟــد
إنﱠ ﻫذا اﻟﺑﯾت ﻛﻣﺎ ﻧرى ﯾﻌﻛس ﻣﺷﺎﻋر ذاﺗﯾـﺔ ﻋﻣﯾﻘـﺔ اﻟﺟـذور ، إذ أنﱠ اﻟﻧﺎﻗـﺔ ﻗﺑـل
أن ﯾﺣﺷـد ﻟﻬــﺎ ﻗوﺗﻬـﺎ وﺻــﻼﺑﺗﻬﺎ ، ﻫـﻲ ﻗﺑــر ﻟﺳــﯾد ﻛـرﯾم ، ﻫــو طرﻓـﺔ. وﻣــن ﻫﻧـﺎ أﯾﺿــﺎً ﻧﻠﻣــﺢ أن رﺣﻠـﺔ طرﻓــﺔ أو ﺻــورة ﻧﺎﻗﺗـﻪ ﺗﺣﻣــل إﺷــﺎرات ﻋﻣﯾﻘـﺔ ﻟﺗﻛﺳــر اﻟــذات اﻹﻧﺳـﺎﻧﯾﺔ، اﻟﺗــﻲ ﯾﻠــوذ
ﺑﻬﺎ طرﻓﺔ . ﻓﻬﻲ ﺗﺣﻣل إﺷﺎرات ﻋدﯾدة ﺗﻛﺷف ﻋـن اﻟﺗرﻗـب واﻟﺧـوف واﻻﻧﺷـراخ . ﻓﺎﻟﺻـور اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺿﻣن ﻣﻘطﻊ، أو ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﺗﻛﺷف ﻋـن ﻣﺛـل ﻫـذا اﻟﺗﻛﺳـر، أو اﻟﺧوف اﻟذي ﯾﻐزو ﺟﺳد اﻟﻘﺻﯾدة. وﻫﻛذا ﺷﻛﻠت ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﻋﻧد طرﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺗﻪ ﻣﻌـﺎدﻻً ﺷـﻌرﯾﺎً اﺳـﺗﻌﻣﻠﻪ اﻟﺷـﺎﻋر ﺑـــوﻋﻲ ﻛﺎﻣـــل ﻟﺣﻘﯾﻘـــﺔ ﺗـــداﻋﯾﺎت ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ اﻟﻣﻔﻌﻣـــﺔ ﺑﺎﻟدﻻﻟـــﺔ ﻣﻣـــﺎ ﺟﻌﻠﻬـــﺎ ﺗﺑـــرز ﺑﺻـــورة اﻟﺷﻛل اﻟﻔﻧﻲ ، اﻟذي ﯾﻣﺗﻠك اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺣﻣل ﻣﻌﺎنٍ وأﺻداء ﻛﺛﯾـرة ذﻟـك ﻷن اﺳـﺗرﺟﺎع أي ﺗﺟرﺑﺔ أو اﺳﺗﺣﺿـﺎرﻫﺎ ﻛﻣـﺎ ﯾﻘـول إ.أ رﯾﺗﺷـﺎدز ﯾﻌﺗﻣـد ﻓـﻲ اﻟﻣﺣـل اﻷول ﻋﻠـﻰ ﺗﻠـك اﻟﻧزﻋـﺎت واﻟدواﻓﻊ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻧﺷﯾطﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ
.





وصف.. ورحيل .. ودلالات


الناقة في الشعر الجاهلي.. تجليات عشق أسطوري (2-4)

بقلم علي المسعودي


إنﱠ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺧطــﺎب اﻟﺷــﻌري اﻟﺟــﺎﻫﻠﻲ ﻛﻣــﺎ أﺛﺑﺗــﻪ اﻟﺑﺣــث الذي أعده د.العنبكي ﺑــدت ﺻــورة ﻣراوﻏــﺔ ﻻ ﺗﻌطــﻲ ﻧﻔﺳــﻬﺎ ﺑﺳــﻬوﻟﺔ ، ﻓﻬــﻲ ﻋــﺎﻟم ﺧﺻــب وﺑــواح ﺑﺎﻟــدﻻﻻت اﻟﺷــﻌرﯾﺔ اﻟﻛﺛﯾﻔــﺔ، ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺷﺄن ﻛﺛﯾر ﻣن ﺻور اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث اﻟﻣﺷﺑﻌﺔ ﺑﺎﻟدﻻﻟﺔ واﻟرﻣز.
وﯾﺷـــﯾر اﻻﺳـــﺗﻘراء إﻟـــﻰ ﻗﺻـــﺎﺋد أﺧـــرى ﻛﺛﯾـــرة ﻧﻠﻣـــﺢ ﻓﯾﻬـــﺎ ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ﺑوظﯾﻔﺗﻬـــﺎ اﻟدﻻﻟﯾـﺔ ، وﻫـﻲ ﺗﺟﻠـﻲ طرﯾﻘـﺔ وﻟوﺟﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻟـﻧص ﻛﻠﻣﺣـﺔ ﻓﻧﯾـﺔ ﻣﻔﻌﻣـﺔ ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾـﺔ واﻟﻌﺎطﻔـﺔ ، وﻫــﻲ ﺳــﻣﺔ ﻣــن ﺳــﻣﺎت اﻟﺻــورة اﻟﺷــﻌرﯾﺔ ، إذ ﯾﻌﻣــد اﻟﺷــﻌراء إﻟــﻰ اﻟﻌﻧﺎﯾــﺔ ﺑــدﻻﻟﺗﻬﺎ اﻟراﻣــزة ﻟﻠﻣﻌﻧـﻰ اﻟﺛــﺎﻧﻲ ، اﻟـذي ﯾﻧﺑﺛــق ﻣــن دﻻﻟـﺔ اﻟﻣﻌﻧــﻰ اﻟﺳــطﺣﻲ اﻷول ، وﻣﺟﺳـدة ﺣــس اﻟﺣﯾوﯾــﺔ واﻻﻣﺗﻼء ، واﻟﻔﺗوة اﻟداﻓﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌروق واﻟﺟـرأة ، وﻛﻠﻬـﺎ ﻣﺷـﺎﻋر ﻣﺧﺗﻠﻔـﺔ ﻗـد ﺟﺳـدﺗﻬﺎ ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﺑﻌﯾداً ﻋن ﻣﻼﻣﺣﻬﺎ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﻗﺗﺻر اﻟدارﺳون ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻣﻬﺎ . ﯾرﺳـــم ﺧﻔـــﺎف ﺑـــن ﻧدﺑـــﺔ ﺻـــورة ﻟﻧﺎﻗﺗـــﻪ " ﻣﺟـــذام اﻟـــرواح " ﻓﻬـــﻲ ﺳـــرﯾﻌﺔ وﺻـــﻠﺑﺔ إذ ﯾﻘول
:
وﻣُﻌَﺑﱠـــــــــدٍ ﺑـــــــــﯾضُ اﻟﻘَطـــــــــﺎ ﺑﺟُﻧُوﺑـــــــــﻪِ
ﻧَﻔّــــــــــرت آﻣِــــــــــنَ طﯾــــــــــرِﻩِ وﺳــــــــــﺑﺎﻋِ ﻪِ
أُﺟُــــــد ﻛــــــﺄنﱠ اﻟرّﺣْ ــــــلَ ﻓــــــوقَ ﻣُﻘﻠّــــــص
ﻋَــــــــــدَلَ اﻟﻧﱡﻬــــــــــﺎقُ ﻟِﺳَــــــــــﺎﻧَﻪُ ﻓﻛﺄﻧّــــــــــﻪُ
وﻣــــــــن اﻟﻧّــــــــواﻋِ ﺞِ رِﻣﱠــــــــﺔٌ وﺻَ ــــــــﻠﯾبُ
ﺑﺑُﻐــــــــ ﺎمِ ﻣِﺟْ ــــــــذَامِ اﻟــــــــرﱠ واحِ ﺣَﺑُــــــــوبِ
ﻋَـــــــﺎري اﻟﻧّواﻫِـــــــقِ ﻻﺣَ ـــــــﻪُ اﻟﺗﻘرﯾـــــــبُ
ﻟﻣــــــــــﺎ ﺗﺧﻣّــــــــــطَ ﻟﻠﺷُــــــــــﺣﺎحِ ﻧَﻘﯾــــــــــبُ
ﺗـــﺄﺗﻲ ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ﻓـــﻲ ﻧـــص ﺧﻔـــﺎف ﻓـــﻲ ﺳـــﯾﺎق ﻣﺗﻧـــﺎﻏم ﻣـــﻊ ﺣﺷـــد ﻣـــن اﻟﺻـــور
ﻛﺎﺷـﻔﺔ ﻋـن زﻣـن اﻟﺣﯾوﯾـﺔ واﻟﻧﺷـﺎط ﻟﻠﺷـﺎﻋر رداً ﻋﻠـﻰ ﻓﻌـل اﻟﺷـﯾﺧوﺧﺔ ورواح اﻟﺷـﺑﺎب اﻟـذي
ظن ﻣﻌﻪ اﻟﺷﺎﻋر أن ﺗﺑدل ﺻﺎﺣﺑﺗﻪ / أﺳﻣﺎء / ﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﻪ .


إنﱠ ﻗﺻﯾدة اﻟﻣﺛﻘب اﻟﻌﺑدي اﻟﺗﻲ ﯾﻬﻣﻧـﺎ ﻣﻧﻬـﺎ ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ ، وﻛﯾﻔﯾـﺔ اﺷـﺗﻐﺎﻟﻬﺎ ﻟـدى
اﻟﺷـــﺎﻋر ، وآﻟﯾﺗـــﻪ ﻓـــﻲ ﺗﺷـــﻛﯾل اﻟﻣﻌﻧـــﻰ اﻷﺛﯾـــر إﻟـــﻰ ﻧﻔﺳـــﻪ ، ﺗﺗـــﺄﻟف ﻣـــن ﺛـــﻼث ﺻـــور ، أو
أﺟزاء ﯾﺗﻣﺛل اﻟﺟزء اﻷول ﻓﻲ ﺻورة اﻟﺣﺑﯾﺑﺔ واﻟﻧﺳﺎء اﻟظﺎﻋﻧﺎت ، ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻣﺛـل اﻟﺟـزء اﻟﺛـﺎﻧﻲ
ﻓﻲ ﺻورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ أو " ﻣطرﻗـﺔ اﻟﻘﯾـون " ﻛﻣـﺎ أﺷـﺗﻬر ﺑﻬـﺎ اﻟﻣﺛﻘـب ، أﻣّـﺎ اﻟﺟـزء اﻟﺛﺎﻟـث ، ﻓﻬـو
اﻟﺟزء اﻟذي ﯾظﻬر ﻓﯾـﻪ ﺻـﺎﺣﺑﻪ ، وﻓﯾـﻪ ﻧﻠﻣـس ﻋﺎطﻔـﺔ ﻗوﯾـﺔ ﻛﺄﻧﻬـﺎ ﺗﺗـوج ﻣـﺎ رﺻـدﻩ اﻟﺷـﺎﻋر
ﺑﻘﺻـﯾدﺗﻪ ﻣــن دﻻﻻت ﻟـم ﯾﻛﺷــف ﻋﻧﻬـﺎ ﺑﻠﻐــﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾــر اﻟﻣﺑﺎﺷـر ، إﻧﻣــﺎ ﺑﻠﻐـﺔ إﺷــﺎرﯾﺔ ﻣﻛﺛﻔــﺔ ،
وﻓــﻲ ﻟوﺣــﺎت ﺣﺳــﯾﺔ أو ﺻــور ﻣوﺳــﻌﺔ ﯾﺗﺧــذﻫﺎ ﺗﺟﺳــدات أو ﻣﻌــﺎدﻻت ﻣوﺿــوﻋﯾﺔ ﻟــرؤاﻩ ،
واﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻪ .
ﯾﻘول اﻟﻣﺛﻘب اﻟﻌﺑدي
:
ﻓﺳـــــــل اﻟﻬـــــــمﱠ ﻋﻧـــــــكَ ﺑـــــــذاتِ ﻟـــــــوثٍ
ﺑﺻـــــــــﺎدﻓﺔ اﻟوَﺟﯾـــــــــفِ ﻛـــــــــﺄنﱠ ﻫِـــــــــرّاً
ﻛﺳــــــــــﺎﻫﺎ ﺗﺎﻣﻛــــــــــﺎً ﻗَــــــــــرِداً ﻋﻠﯾﻬــــــــــﺎ
إذا ﻗﻠِﻘَـــــــــتُ أﺷـــــــــدﱡ ﻟﻬـــــــــﺎ ﺳـــــــــﻧﺎﻣﺎ ً
ﻋُــــــــــــــــذاﻓرةٍ ﻛﻣطرﻗــــــــــــــــﺔِ اﻟﻘُﯾــــــــــــــــونِ
ﯾُﺑﺎرﯾﻬـــــــــــــــﺎ وﯾﺄﺧـــــــــــــــذُ ﺑﺎﻟوﺿـــــــــــــــﯾنِ
ﺳَـــــــــوَاديﱡ اﻟرﱠﺿِ ـــــــــﯾﺢِ ﻣـــــــــﻊ اﻟﻠﱠﺟـــــــــﯾنِ
أﻣـــــــﺎمَ اﻟـــــــزّ ورِ ﻣـــــــن ﻗﻠـــــــقِ اﻟوَ ﺿـــــــﯾنِ

ــــــــﺄنﱠ ﻣواﻗــــــــــﻊَ اﻟﺛﻔﻧَــــــــــﺎتِ ﻣﻧﻬــــــــــﺎ
ﯾﺟُـــــــــذﱡ ﺗـــــــــﻧﻔسﱡ اﻟًﺻﱡـــــــــﻌَداءِ ﻣﻧﻬـــــــــﺎ
ﻛــــــــﺄنﱠ ﻧﻔـــــــــﻰ ﻣــــــــﺎ ﺗﻧﻔـــــــــﻲ ﯾـــــــــداﻫﺎ
وﺗﺳــــــــــــــﻣﻊ ﻟﻠــــــــــــــذﱡﺑﺎبِ إذ ﺗﻐﻧــــــــــــــﻰ
ﻣُﻌَــــــــــرّسُ ﺑــــــــــﺎﻛراتِ اﻟــــــــــورْ دِ ﺟُــــــــــونِ
ﻗــــوى اﻟﻧﱠﺳــــﻊِ اﻟﻣُﺣــــرﱠمِ ذي اﻟﻣُــــتُ ◌ُ ونِ
ﻗـــــــــــذافُ ﻏَرﯾﺑـــــــــــﺔٍ ﺑﯾـــــــــــدَىْ ﻣُﻌـــــــــــﯾنِ
ﻛﺗﻐرﯾـــــــــدِ اﻟﺣﻣـــــــــﺎمِ ﻋﻠـــــــــﻰ اﻟوُ ﻛُـــــــــونِ

ﺗﺄﺧـذ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ ﻋﻧــد اﻟﻣﺛﻘــب ﺑـﺎﻟﺑروز واﻟدﻻﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣﻘﺻـدﯾﺔ اﻟﺷــﺎﻋر ، وذﻟــك ﻷن اﻟﺷــﺎﻋر ﯾﻬــدف ﻣــن وراء ﺻــورﺗﻬﺎ اﻟﻣﻣﺗﻠﺋــﺔ إﻋــﺎدة ﺣــس اﻟﺗــوازن إﻟــﻰ ذاﺗــﻪ ﺑﻌــد أﺷــواط ﻣـن ﻗﺻـﻪ ﻟﻌﻼﻗﺗـﻪ ﻣـﻊ ﺻــﺎﺣﺑﺗﻪ واﻟﻧﺳـﺎء اﻟظﺎﻋﻧـﺎت ، ﻓﻬـو ﺑﻌــد أن ﯾﺧﺑرﻧـﺎ ﻣـن ﺧـﻼل ذﻟــك أﻧﻪ ﺣزﯾن ، وﻫو ﻻ ﯾﻌرف ﻛﻧﻪ ﻫـذا اﻟﺣـزن ، إذ ﯾﺗﺷـﻛل ﻫـذا اﻟﺗﺟﻠـﻲ ﻣﺣـور ﺻـورة ﻧﺎﻗﺗـﻪ ، ﺣﺗﻰ أوﺷﻛت ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ أن ﺗﻛون ﻣﻌﺎدﻻً ﺷﻌرﯾﺎً ﻟﺻﺎﺣﺑﺔ اﻟﺷـﺎﻋر " ﻓﺎطﻣـﺔ " ﻋﻠـﻰ ﻧﺣـو ﻣﺧﺗﻠـــف ، إذ ﺗﻠـــوم ﻓﯾـــﻪ اﻟﻧﺎﻗـــﺔ (ﻓﺎطﻣـــﺔ) اﻟﺷـــﺎﻋر، وﻟـــﯾس اﻟﻌﻛـــس . ﻓﻌﻠـــﻰ أي ﺷـــﻲء ﯾﻠـــوم
اﻟﺷــﺎﻋر وﯾُــﻼم . وﻣــن ﻫــذا اﻟﻣﻧظــور ﻛﺎﻧــت ﻧﺎﻗــﺔ اﻟﻣﺛﻘــب ﻫــﻲ اﻟﺗﺗــوﯾﺞ اﻻﻧﻔﻌــﺎﻟﻲ اﻟﻣﻌــﺎﻛس
ﻟﺣــﺎﻟﺗﻲ اﻟﻠــوم واﻟﻌﺗــﺎب ﻓــﻲ ﺻــورة اﻟﻣــرأة واﻟظﻌــن ، وﻛــذﻟك ﻓــﻲ ﺻــورة ﻋﺗﺎﺑــﻪ ﻟﺻــﺎﺣﺑﻪ ﻓــﻲ
ﻧﻬﺎﯾــﺔ اﻟﻘﺻــﯾدة ، إنﱠ ﻣــﺎ ﺗﺟﺳــدﻩ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺑﻧــﻰ ﺻــورﺗﻬﺎ اﻟﻣﺛﻘــب ﺑﻧــﺎءً ﻣﺣﻛﻣــﺎً ﻫــو
ﺷــﻲء ﻋﻣﯾــق اﻟﻐــور ﻓــﻲ ذات اﻟﺷــﺎﻋر وﻫــو ﻣــﺎ ﻛﺷــﻔﺗﻪ ﻧﺎﻗﺗــﻪ ؛ ﻷﻧﻬــﺎ وﺣــدﻫﺎ اﻟﺗــﻲ ﺗﺟــد ﻓــﻲ
ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺛﻘب أﻧﻣوذﺟﻬﺎ اﻵﺳر ﺑﺎﻟرﻏم ﻣﻣﺎ ﺗظﻬرﻩ إزاءﻩ ﻣن ﻟوم ، ﻟﻛﺛرة أﺳﻔﺎرﻩ .
إنﱠ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻓــﻲ ﻧظــر اﻟﻣﺛﻘــب ﺣﻠــم ﻛﺑﯾــر ﯾﻌــﯾش ﻓﯾــﻪ اﻟﺷــﺎﻋر ، ﻣــن ﺧــﻼل
ﺣﺷــــد ﻣــــن اﻟﺻــــور اﻟﺗــــﻲ ﺗﺻــــب ﻓــــﻲ اﻧﻔﻌــــﺎل اﻟﺷــــﺎﻋر اﻟﺳــــﺎر ﺑﻧﺎﻗﺗــــﻪ ، ﺧﻼﻓــــﺎً ﻟﻼﻧﻔﻌــــﺎل
اﻟﻣﺻﺎﺣب اﻟﻣﻔﻌم ﺑﺎﻟﻐﺿب ﻣـﻊ ﺻـﺎﺣﺑﺗﻪ ﻓﺎطﻣـﺔ ، أو ﻣـﻊ ﻧﺳـﺎء اﻟظﻌـن ، أو ﻣـﻊ ﺻـﺎﺣﺑﻪ
ﻋﻣرو .
ﻓﻧﺎﻗﺔ اﻟﻣﺛﻘب ﺗﺷﻛو ﻣن طول اﻟﺳﻔر ، وﻛﺛرة رﺣﯾل اﻟﺷﺎﻋر وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓـﻲ اﻟﻠﯾـﺎﻟﻲ ،
إذ ﻻ ﯾﺻدﻩ ﻋن ذﻟك اﻋﺗراﺿﺎت اﻟﻧﺎﻗﺔ وﺷﻛواﻫﺎ ، ﻓﯾﻘول
:

ﻓﺎﻟﻘﯾــــــــــتُ اﻟزﻣــــــــــﺎمَ ﻟﻬــــــــــﺎ ﻓﻧﺎﻣــــــــــت
إذا ﻣـــــــــــﺎ ﻗﻣـــــــــــت أرﺣﻠﻬـــــــــــﺎ ﺑﻠﯾـــــــــــلٍ
ﺗﻘــــــــــول: إذا درأت ﻟﻬــــــــــﺎ وﺿــــــــــﯾﻧﻲ
أﻛـــــــــــل اﻟـــــــــــدﻫر ﺣـــــــــــل وارﺗﺣـــــــــــﺎلِ
ﺛﻧﯾـــــــتُ زﻣﺎﻣﻬـــــــﺎ ووﺿـــــــﻌتُ رﺣﻠـــــــﻲ
ﻟﻌﺎدﺗﻬـــــــــﺎ ﻣـــــــــن اﻟﺳـــــــــدفِ اﻟﻣﺑـــــــــﯾنِ
ﺗـــــــــــﺄوﻩ آﻫـــــــــــﺔُ اﻟرﺟـــــــــــل اﻟﺣـــــــــــزﯾنِ
أﻫـــــــــــــذا دﯾﻧـــــــــــــﻪ أﺑـــــــــــــداً ودﯾﻧـــــــــــــﻲ
أﻣــــــــﺎ ﯾﺑﻘــــــــﻲ ﻋﻠــــــــﻲﱠ وﻣــــــــﺎ ﯾﻘﯾﻧــــــــﻲ
وﻧﻣرﻗـــــــــــﺔ رﻓـــــــــــدت ﺑﻬـــــــــــﺎ ﯾﻣﯾﻧـــــــــــﻲ
إنﱠ اﻟﻣﺛﻘـــب ﺑـــﻼ ﺷـــك ﯾﺗﺧـــذ ﻣـــن اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ﻣﻌـــﺎدﻻً ﺷـــﻌرﯾﺎً أﺛﯾـــراً ﻋﻠـــﻰ ذاﺗـــﻪ ﺑـــدﻻً ﻣـــن
ﺻــﺎﺣﺑﺗﻪ وﺻــدﯾﻘﻪ ، ﻷﻧﻬــﺎ ﻻ ﺗﻌﺗــرض ﻋﻠــﻰ ﻗراراﺗــﻪ ، وا ٕ ن ﻛﺎﻧــت ﺗﻠوﻣــﻪ ، ﻓﺄﻧﻬــﺎ ﺗطﯾﻌــﻪ ،
ﻓﺿﻼً ﻋن ﻛوﻧﻬﺎ ﺗﺷﯾر إﻟﻰ ﻓﺗوﺗﻪ ورﺟوﻟﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺗطواف واﻟرﺣﯾل .
ﻓﺎﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻟــم ﺗﻛــن ﺑﻬــذا اﻻﻋﺗﺑــﺎر ﻣﻘﺻــودة ﻟــذاﺗﻬﺎ ، ﺑــل أﻧﻬــﺎ ﺗﺣﻣــل دﻻﻻت ﺷــﻌرﯾﺔ
ﻗﺻدﻫﺎ اﻟﻣﺛﻘب ﻋن ذاﺗﻪ ، ورﻏﺑﺎﺗﻪ . ﺛم أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت أﯾﺿﺎً اﻟﻣﻧﻔـذ اﻟﻣﻧﺎﺳـب ﻟﻛـﻲ ﯾﺟﻠـﻲ ﻓﯾـﻪ
اﻟﺷﺎﻋر ﻋن رؤﯾﺗﻪ ورؤﯾﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﻣرأة واﻟﺻدﯾق واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ، وﻣﺎ ﯾﺿﻣرﻩ ﻣن ﺧﯾر وﺷر .
ﻫﻛـــذا أﺑـــدع اﻟﺷـــﺎﻋر ﻧﺎﻗﺗـــﻪ ﻓﻛﺎﻧـــت ﺧﻠﯾﻘـــﺔ ﺑـــﻪ ، ﻓﻬـــﻲ ﺗﺟـــﺎري اﻟﺷـــﺎﻋر ، وﺗﻠوﻣـــﻪ
وﺗﺗﺄوﻩ ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻬم إﻟﻰ إﻟﻘﺎء رﺣﻠﻬﺎ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺗﺄوﻩ اﻟرﺟل اﻟﺣزﯾن ، ﺗرى ﻫـل ﻛﺎﻧـت ﻧﺎﻗـﺔ اﻟﻣﺛﻘـب
اﻟﺗــﻲ ﺗﺗــﺄوﻩ ، أم ﻫــو ذاﺗــﻪ ﻟﺛﻘــل ﻣــﺎ ﯾﻌﺗﻣــل ﻓﯾﻬــﺎ ﻣــن ﻫﻣــوم ﻟــم ﯾﻛﺷــف ﻋﻧﻬــﺎ ﻣﺑﺎﺷــرة ، ﻷﻧــﻪ ﯾﻣﺎرس ﻓن إﺧﻔﺎء اﻟﻔن ﻛﻣﺎ ﺷﺎء أﺣد اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن أن ﯾﺳﻣﻲ ذﻟك
.


وصف.. ورحيل .. ودلالات
الناقة في الشعر الجاهلي.. تجليات عشق أسطوري (3-4)

بقلم علي المسعودي



ﯾﺳﺗﺣﺿــر اﻟﺷــﺎﻋر اﻟﺟــﺎﻫﻠﻲ ﺣﺳــﺎً أﻋﻣــق ودﻻﻟــﺔ أﻛﺛــر ﻛﺛﺎﻓــﺔ ﻣــن وراء ﺻــﯾﻐﺔ اﻟﻣﻌــﺎدل اﻟﻣوﺿــوﻋﻲ . ﻣﺗﺧــذاً ﻣــن ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻣﻌــﺎدﻻً ﻣوﺿــوﻋﯾﺎً ﻟﺣﺎﻟﺗــﻪ ﺑﺻــﯾﻐﺔ اﻟــدال واﻟﻣــدﻟول اﻟﺛــﺎﻧﻲ أو ﺑﺻــﯾﻐﺔ ﻣﻌﻧــﻰ اﻟﻣﻌﻧــﻰ ﻓــﻲ ﻣﻔﻬــوم ﻋﺑــد اﻟﻘــﺎﻫر اﻟﺟرﺟــﺎﻧﻲ حسب اﻟﺑﺣــث الذي أعده د.العنبكي وتناول فيه دلالات الناقة في الشعر الجاهلي.
، وﻓــﻲ ذﻟــك ﺗﺗﺷــﻛل ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﺑــﺄﻧﻣوذج ﺑــﺎﻫر أذ أﻧﻬــﺎ ﺗﺗوﺳــط ﻟﻠﺣــدﯾث ﻋــن ﺣﯾــوان اﻟﺻــﺣراء " اﻟﺛور اﻟوﺣﺷﻲ أو اﻟﺣﻣﺎر اﻟوﺣﺷﻲ " وﻋن اﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﺷﺎﻋر ورﻏﺑﺎﺗـﻪ ﻋﺑـر ﻣﺣﺗـوﯾﻲ ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ، إذ ﯾﺟﺳـــد اﻟﺷـــﺎﻋر رؤﯾـــﺎﻩ ، ﻓﯾﺧﻠـــق ﻣﻧﻬـــﺎ ﻣﺷـــﻬداً أو أﺣـــداﺛﺎً داﻟـــﺔ ﻋﻠـــﻰ ﻣـــﺎ ﯾرﯾـــد ﺗﺟﺳﯾدﻩ ، وﻫو ﺑذﻟك ﯾﻛﺷف ﻋن إﻣﺗﯾﺎز ﯾﺿﻌﻪ ﻛﻣﺎ ﯾرى أﺣد اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻓـﻲ ﻣرﺗﺑـﺔ " اﻟﻣﺑـدع اﻷول ﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺷﻛل ودﻻﻟﯾﺎﺗﻪ "وﻟﻌل ﻣﻌﻠﻘﺔ اﻟﻧﺎﺑﻐﺔ اﻟذﺑﯾﺎﻧﻲ
:
ﯾﺎ دارَ ﻣﯾﱠﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﯾﺎءِ ﻓﺎﻟﺳﻧــدِ
اﻗوت وطﺎلَ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺳﺎﻟف اﻷﺑـــدِ
ﺗُﻌدﱡ ﻣﺛﺎﻻً ﻟﻬـذا اﻷﺳـﻠوب ﻓـﻲ ﺗﻛﺛﯾـف ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ ، وﺧﻠـق دﻻﻻت راﻣـزة ﻟﻬـﺎ ، ﻣﻌﺑّـرة ﻋـن
إرﻫﺎﺻﺎت اﻟﺷﺎﻋر ذاﺗﻪ ، إذ ﯾﻘول اﻟﻧﺎﺑﻐﺔ:

ﻛــــــﺄنﱠ رﺣﻠــــــﻲ وﻗــــــد زالَ اﻟﻧﻬــــــﺎرُ ﺑﻧــــــﺎ
ﻣـــــن وﺟـــــش وﺟـــــرةَ ﻣوﺷـــــﻲﱟ أﻛﺎرﻋـــــﻪُ
أﺳــــرت ﻋﻠﯾــــﻪ ﻣــــن اﻟﺟــــوزاءِ ﺳــــﺎرﯾﺔ
ﻓﺎرﺗـــﺎعَ ﻣـــن ﺻـــوت ﻛـــﻼﱠب ﻓﺑـــﺎتَ ﻟـــﻪُ
ﻓﺑـــــــــــﺛﻬُنﱠ ﻋﻠﯾـــــــــــﻪِ واﺳـــــــــــﺗﻣر ﺑـــــــــــﻪِ
وﻛـــــﺎن ﺻـــــﻣران ﻣﻧـــــﻪُ ﺣـــــﯾن ﯾوزﻋـــــﻪُ
ﺷـــــك اﻟﻔرﯾﺿـــــﺔ ﺑﺎﻟﻣـــــدري ﻓﺎﻧﻔـــــذﻫﺎ
ﻛﺄﻧـــــﻪُ ﺧﺎرﺟـــــﺎً ﻣـــــن ﺟﻧـــــب ﺻـــــﻔﺣﺗﻪِ
ﻓظــــل ﯾﻌﺟــــم أﻋﻠــــﻰ اﻟــــروق ﻣﻧﻘﺑﺿــــﺎً
ﻟﻣــــــﺎ رأى واﺷــــــق اﻗﻌــــــﺎص ﺻــــــﺎﺣﺑﻪ
ﻗﺎﻟـــت ﻟـــﻪ اﻟـــﻧﻔس إﻧـــﻲ ﻻ أرى طﻣﻌـــﺎً
ﺑـــــذي اﻟﺟﻠﯾـــــلِ ﻋﻠـــــﻰ ﻣﺳـــــﺗﺄﻧس وﺣـــــدِ
طــﺎوى اﻟﻣﺻــﯾر ﻛﺳــﯾفِ اﻟﺻــﯾﻘل اﻟﻔــردِ
ﺗزﺟـــــﻲ اﻟﺷـــــﻣﺎلَ ﻋﻠﯾـــــﻪِ ﺟﺎﻣـــــدِ اﻟﺑـــــردِ
طــوع اﻟﺷــواﻣت ﻣــن ﺧــوف وﻣــن ﺻــردِ
ﺻـــــﻣﻊ اﻟﻛﻌـــــوب ﺑرﯾّـــــﺎتٍ ﻣـــــن اﻟﺣـــــردِ
طﻌــــن اﻟﻣﻌــــﺎركِ ﻋﻧــــد اﻟﻣﺣﺟــــر اﻟﻧﺟــــدِ
طﻌـــــن اﻟﻣﺑﯾطـــــرِا ٕ ﯾﺷـــــﻔﻲ ﻣـــــن اﻟﻌﺿـــــدِ
ﺳــــــﻔود ﺷــــــرب ﻧﺳـــــــوﻩ ﻋﻧــــــد ﻣُﻔﺗـــــــﺄدِ
ﻣـــن ﺣﺎﻟـــك اﻟﻠـــون ﺻـــدق ﻏﯾـــر ذي أود
وﻻ ﺳـــــــــﺑﯾل إﻟـــــــــﻰ ﻋﻘـــــــــل وﻻ ﻗــــــــــودِ
وأن ﻣــــــوﻻك ﻟــــــم ﯾﺳــــــﻠم وﻟــــــم ﯾﺻــــــدِ
إنﱠ ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ ﻓـــﻲ ﻗﺻـــﯾدة اﻟﻧﺎﺑﻐـــﺔ ﺗﻣﺛـــل وﺻـــﻔﺎً ﻣوﺿـــوﻋﯾﺎً ﺑﻣـــﺎ ﯾﺣﻣﻠـــﻪ ﻣـــن دﻻﻻت ﻋﻠﻰ اﻷﺷﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﺷﻣﻠﻬﺎ اﻟﺻراع ، ﻣن ﺛور اﻟوﺣش واﻟﻛﻼب واﻟﺻـﺎﺋد . ﻏﯾـر أن واﻗﻊ اﻷﻣر ،إن ﻫذﻩ اﻟﺻورة ﺑل ﻫذﻩ اﻟواﻗﻌﺔ اﻟﺣرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﺄزﻣـﺔ ، ﻟـم ﺗﻛـن ﻣﻘﺻـودة ﻟـذاﺗﻬﺎ ، ﺑــل أﻧﻬــﺎ ذات دﻻﻟــﺔ أوﻟــﻰ ﺗﺷــﯾر إﻟــﻰ دﻻﻟــﺔ ﺛﺎﻧﯾــﺔ ، أو ﻣﻌﻧــﻰ اﻟﻣﻌﻧــﻰ ﺑﻌﺑــﺎرة ﻋﺑــد اﻟﻘــﺎﻫر
اﻟﺟرﺟــﺎﻧﻲ ، أو ﻫــﻲ ﻓﻌــﻼً ﺗﻘــوم ﺑوظﯾﻔــﺔ ﻋﻼﻣــﺎت ﺗــدل ﻋﻠــﻰ أﻓﻛــﺎر أﺧــرى " .

وﻟﻌــل ﻣــن اﻷﻣــر اﻟﺻــرﯾﺢ أن ﻧﺷــﯾر ﻫﻧــﺎ إﻟــﻰ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ واﻟرﺣﻠــﺔ ﻋﻧــد اﻣــرىء
اﻟﻘــﯾس ﻓﻔﯾﻬــﺎ ﻛﺛﯾــرا ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟدﻻﻟــﺔ ، إذ ﻛﺎﻧــت ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ وﻫــﻲ اﻷﻏﻠــب ﻋﻧــدﻩ ﻧﺎﺑﺿــﺔ
ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة واﻟﻔﺗوة اﻟراﺋﻘﺔ ﻓﻔﻲ ﻗﺻﯾدﺗﯾﻪ اﻟﺗﻲ ﻣطﻠﻌﻬﻣﺎ :
ﻟﻣن اﻟدﯾـﺎر ﻏﺷﯾﺗﻬـﺎ ﺑﺳﺣﺎمِ ﻓﻌﻣﺎﻣﺗﯾـن ﻓﻬﺿب ذي أﻗــدام
وﻗﺻﯾدﺗﻪ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻧﯾت ﻋﻠﻰ ﺣرف اﻟﻘﺎف :
أﻻ أﻧﻌـــم ﺻـــﺑﺎﺣﺎً أﯾﻬـــﺎ اﻟرﺑـــﻊُ واﻧطِ ـــقِ
وﺣـــدّث ﺣـــدﯾث اﻟرﻛـــبِ إن ﺷـــﺋت وأﺻدقِ
إن اﻟﻘﺻـــــــﯾدﺗﯾن ﻓـــــــﻲ ﺻـــــــورﻫﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌـــــــﺎً وﻻﺳـــــــﯾﻣﺎ ﺻـــــــورة اﻟظﻌـــــــﺎﺋن ، ورﺣﻠـــــــﺔ
اﻟﺷﺎﻋر،ﺗطوﯾﺎن ﺗدﻓﻘﺎً ﻋﻧﯾﻔﺎً ﺑﺎﻟﻔﺗوة ﺿداً ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎﻟﺑﺔ اﻟﺷوق ، إذ ﯾﻘول ﻓﻲ اﻷوﻟﻰ
وﻣُﺟـــــــــــــــــدﱠة ﻧَﺳـــــــــــــــــﺄﺗُﻬﺎ ﻓﺗﻛﻣّ ﺷـــــــــــــــــت
ﺗﺧـــــــذي ﻋﻠـــــــﻰ اﻟﻌﱠـــــــﻼتِ ﺳـــــــﺎمٍ رأﺳُـــــــﻬﺎ
ﺟﺎﻟـــــت ﻟﺗﺻـــــرﻋﻧﻲ ﻓﻘﻠـــــتُ ﻟﻬـــــﺎ اﻗﺻـــــري
ﻓﺟزﯾــــــــت ﺧﯾــــــــرَ ﺟَــــــــزاء ﻧﺎﻗــــــــﺔِ واﺣــــــــدٍ
رﺗـــــــــك اﻟﻧﻌﺎﻣـــــــــﺔِ ﻓـــــــــﻲ طرﯾـــــــــقِ ﺣـــــــــﺎمٍ
رَ وﻋـــــــــــــــــﺎءُ ﻣﻧﺳـــــــــــــــــﻣُﻬﺎ رﺛـــــــــــــــــﯾمٌ دامِ
إﻧــــــــﻲ اﻣــــــــرؤٌ ﺻــــــــرﻋﻲ ﻋﻠﯾــــــــكَ ﺣَــــــــرامُ
ورﺟﻌْت ﺳﺎﻟﻣﺔ اﻟﻘَرا ﺑﺳــــﻼمِ
أﻣﺎ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﯾﺑدأ ﻣﻘطـﻊ اﻟرﺣﻠـﺔ ﻓﯾﻬـﺎ ﺑﻌـزاء اﻟـﻧﻔس ، وﻟﻛﻧـﻪ ﻣﻔﺗـون ﺑﻧﺎﻗﺗـﻪ،
وﺗﻔﺎﺻـﯾل ﺣﯾوﯾﺗﻬـﺎ ، وﻫـو ﺑﻬـذا ﯾﻬـدف إﻟـﻰ ﺗﺷـﺧﯾص ﻧﻣـوذج اﻟﺑطوﻟـﺔ ، اﻟـذي ﯾـراود طﻣـوح
اﻟﺷﺎﻋر ﻛﻣﺎ ﯾﺷﺧص ﻣﻠﻣـﺢ ﻫـذا اﻟﻣﻧـزع أﺳـﺗﺎذﻧﺎ اﻟـدﻛﺗور اﻟﻣرﺣـوم ﻣﺣﻣـود اﻟﺟـﺎدر ﺑﺎﻟﺗﻔﺎﺗﺗـﻪ اﻟﺑﺎرﻋﺔ
إذ ﯾﻘول اﻣرىء اﻟﻘﯾس
:
ﻓﻌزﯾــــتُ ﻧﻔﺳــــﻲ ﺣــــﯾنَ ﺑــــﺎﻧو ا ﺑﺟﺳِ ــــرةٍ
إذا زُﺟــــــــــــرَتُ اﻟﻔﯾﺗﻬــــــــــــﺎ ﻣﺷــــــــــــﻣﻌِﻠﺔ
ﺗـــــــــروحُ إذا راﺣـــــــــت رواحَ ﺟَ ﻬﺎﻣـــــــــﺔٍ
ﻛـــــــــﺄنﱠ ﺑﻬـــــــــﺎ ﻫـــــــــرّاً ﺟَﻧﯾﺑـــــــــﺎً ﺗَﺟـــــــــرّﻩُ
ﻛـــــــﺄﻧﻲ ورﺣﻠـــــــﻲ واﻟﻘـــــــرابُ وﻧُﻣرُﻗـــــــﻲ
ﺗَـــــــــروحُ ﻣَـــــــــن أرضٍ ﻷرضٍ ﻧطﯾّـــــــــﺔ
ﯾﺟــــــــــولُ ﺑﺂﻓــــــــــﺎقِ اﻟــــــــــﺑﻼدِ ﻣﻐرﱢﺑــــــــــﺎً
أﻣــــــــون ﻛﺑﻧﯾــــــــﺎن اﻟﯾﻬــــــــوديّ ﺧﯾﻔــــــــقِ
ﺗُﻧﯾـــفُ ﺑﻌـــذقِ ﻣـــن ﻏـــراسِ اﺑـــن ﻣُﻌْﻧـــقِ
ﺑــــــــــــﺈﺛر ﺟَ ﻬــــــــــــﺎم راﺋــــــــــــﺢ ﻣﺗﻔــــــــــــرّ قِ
ﺑﻛـــــــــل طرﯾـــــــــقٍ ﺻَ ـــــــــﺎدَﻓﺗﻪُ وﻣـــــــــﺄزَ قِ
ﻋﻠـــــــــﻰ ﯾُرﻓﺋـــــــــﻲ ذي زواﺋـــــــــد ﻧﻘﻧـــــــــقِ
ﻟِــــــذﻛرة ﻗــــــﯾضٍ ﺣــــــولَ ﺑــــــﯾض ﻣُﻔﻠّــــــقِ
وﺗﺳـــــﺣﻘﻪُ رﯾـــــﺢُ اﻟﺻـــــﺑﺎ ﻛـــــلّ ﻣَﺳـــــﺣقِ



وصف.. ورحيل .. ودلالات
الناقة في الشعر الجاهلي.. تجليات عشق أسطوري (4-4)

بقلم علي المسعودي


لاتتجاوز ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻋﻧــد ﻋﻧﺗــرة ﺑــن ﺷــداد ﻣﺣــﺎور ﺻــورﺗﻬﺎ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ
ﺑوﺻــﻔﻬﺎ أداة أو وﺳــﯾﻠﺔ ﻟﻠوﺻــول إﻟــﻰ دﯾــﺎر ﺣﺑﯾﺑﺗــﻪ فهو شاعر كانت قصيدته أكثر ميلا للتغزبل الخيل بوصفه محاربا شجاعا.. فقد تفنن في وصف الخيل وكان مشهد حضورها مع حبيبته عبلة ذا دلالات ، أما ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻓــﻲ ﻣﻌﻠﻘﺗــﻪ اﻟﻣﻣﺗﻠﺋــﺔ
ﺻﻼﺑﺔ وﻗوة وﺳرﻋﺔ، ﻻ ﺗﻌﻛس ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻣل ﻓﻲ دواﺧﻠﻪ ﻣـن ﺗﺑـﺎرﯾﺢ اﻟﻔﺗـوة واﻟﻬﯾـﺎم ﺷـﺄﻧﻪ ﺷـﺄن
ﻛﺛﯾـــر ﻣـــن اﻟﺷـــﻌراء ، ﺑـــل ﺗﺑـــدو أﻛﺛـــر ﻗرﺑـــﺎً ﻣـــن ﺻـــورﺗﻬﺎ اﻟواﻗﻌﯾـــﺔ ، ﺑوﺻـــﻔﻬﺎ واﺣـــدة ﻣـــن
وﺳـﺎﺋﻠﻪ اﻟﺗــﻲ ﯾﺗوﺳــل ﺑﻬــﺎ إﻟـﻰ ﺣﺑﯾﺑﺗــﻪ ؛ ذﻟــك ﻷن ﻋﻧﺗــرة اﻟﻔـﺎرس ﻛﻣــﺎ ﯾــرى أﺣــد اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ﻻ
ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ دﻟﯾل آﺧر ﻣن أدﻟﺔ اﻟﻔﺗوة ، ﻓﻬﻲ ﺗﻣﻸ ﺣﯾﺎﺗﻪ ، وﯾدﯾﻪ وأﯾدي اﻷﺧـرﯾن ووﺟـداﻧﻬم
، وﻟﻬذا ﻓﻬو ﻟم ﯾﺿرب ﻓﻲ اﻟﺻﺣراء وﻣﺟﺎﻫﻠﻬﺎ ﻓﺗﻰً ﻣﻘﺎﻣراً ﻣن ﻓﺗﯾﺎن أوﻟﺋـك اﻷﻋـراب
،إﻧﻣﺎ ﺟﻌل ﻛل ﻫﻣّﻪ أن ﺗوﺻﻠﻪ ﻧﺎﻗﺗـﻪ إﻟـﻰ دار ﻋﺑﻠـﺔ ، ﻓﻧﺎﻗـﺔ ﻋﻧﺗـرة ﻣﺟـردة ﺗﻣﺎﻣـﺎً ﻣـن ذﻟـك
اﻹﯾﺣـــﺎء اﻟﻔﻧـــﻲ اﻟـــذي اﻋﺗـــﺎد اﻟﺷـــﻌراء ﻋﻠـــﻰ إﺿـــﻔﺎﺋﻪ ﻋﻠـــﻰ ﻧـــوﻗﻬم إﺟـــﻼء ﻟـــدﻻﻻت اﻟﻔـــن ،
وﺗﻌﺑﯾـراً ﻋــن أﺳــرار دواﺧﻠﻬــم ﺑﻛــل ﻣـﺎ ﻓﯾﻬــﺎ ﻣــن ﺟﻼﻟــﺔ وﻫﯾﺑــﺔ، ﻓﻬـو ﯾﻌــود ﺑﻬــﺎ إﻟــﻰ "وظﯾﻔﺗﻬــﺎ
اﻷوﻟﻰ ﻣطﯾﺔ ﻛﺄي ﻣطﯾﺔ ـ ﻛل ﻣﺎ ﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﻋﻠﯾﻬﺎ أن ﺗﺣﻣل اﻟﻧﺎس إﻟﻰ ﻣﻘﺎﺻدﻫم .
وفي بحث قيم للدكتور سعيد حسون العنبكي بعنوان "صورة الناقة في القصيدة الجاهلية بين الوظيفة الشعرية وإنتاج الدلالة الرامزة" ﻻﺣظ فيها أن الصفة
اﻟوﺣﯾــدة اﻟﺗــﻲ ﻧﺗﻠﻣﺳــﻬﺎ ﻓــﻲ ﻟﻐــﺔ ﺻــورة اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻋﻧــد ﻋﻧﺗــرة أو ﻓــﻲ ﺗﻔرﻋــﺎت
ﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻬــﺎ اﻟﺟزﺋﯾــﺔ ﻫــﻲ ﺗطــﺎﺑق ﻫــوى اﻟﻧﺎﻗــﺔ ﻣــﻊ ﻫــوى اﻟﺷــﺎﻋر ، وﻓــﻲ إزورارﻫــﺎ ﻋــن ﺣﯾــﺎض
اﻷﻋـــداء ﺑﻌـــد أن ﺷـــرﺑت ﻣـــن ﻣﯾـــﺎﻩ ﻗـــوم ﻻ ﯾطـــﯾﻘﻬم اﻟﺷـــﺎﻋر ، ﺷـــﺄﻧﻪ ﻓـــﻲ ذﻟـــك ﺷـــﺄن ﻧﺎﻗـــﺔ
اﻟﻣـــﺗﻠﻣس ﻓـــﻲ ﺣﻧﯾﻧﻬـــﺎ إﻟـــﻰ اﻟﻌـــراق ، إذ ﯾﻌﺗﻣـــل ﻓﯾﻬـــﺎ اﻟﺣﻧـــﯾن ذاﺗـــﻪ اﻟـــذي ﯾﻌﺗﻣـــل ﻓـــﻲ ﻧﻔـــس
اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻣﺗﻠﻣس
وﻓﻲ ﺻورة اﻟﻧﺎﻗﺔ ﻋﻧـد زﻫﯾـر ﺣﯾـﺎزة ﻏﯾـر ﻗﻠﯾﻠـﺔ ﻟﻬـذا اﻟﻔـن ﻣـن اﻷداء اﻟـذي ﯾﻌﺗﻣـل
ﺑﺻــورة اﻟﻔﺗــوة و ﻗــد ﻣﻸﺗﻬــﺎ دﻓﻘــﺔ اﻟﺣﯾــﺎة ، وﺧﺑرﺗﻬــﺎ وﻟﻌــل أﺻــدق ﺗﻣﺛﯾــل ﻋﻠــﻰ ﺗﻠــك اﻟدﻻﻟــﺔ
ﻗﺻﯾدﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﻣطﻠﻌﻬﺎ
:
ﻋﻔـﺎ ﻣن آلِ ﻓﺎطﻣـﺔ اﻟﺟواءُ ﻓﯾﻣُـن ﻓﺎﻟﻘوادمُ ﻓﺎﻟﺣﺳـﺎءُ
ﻓﻔﻲ ﻫـذﻩ اﻟﻘﺻـﯾدة ﺗﺟﻠـﻲ ﺻـورة اﻟﻧﺎﻗـﺔ إﻟـﻰ ﺟﺎﻧـب ﺻـورﻫﺎ اﻷﺧـرى ﺣـﺎل اﻟﺷـﺎﻋر
ﻓــــﻲ ﻣوﻗﻔــــﻪ ﻣــــن " ﺑﻧــــﻲ ﻋﻠــــﯾم " اﻟــــذﯾن ﯾﻬﺟــــوﻫم ﻓــــﻲ اﻟﻘﺻــــﯾدة . إنﱠ اﻟﺷــــﺎﻋر ﯾﺳــــﻘط ﻗوﺗــــﻪ
وﺻـــﻼﺑﺗﻪ ﻋﻠـــﻰ ﺻـــورة اﻟﻧﺎﻗـــﺔ، وﺗﺗﺎﺑﻌﻬـــﺎ ﻓـــﻲ ﺗـــداﻋﯾﺎت ﺗﺷـــﺑﯾﻬﻬﺎ ﺑﺣﻣـــﺎر اﻟـــوﺣش ،ﺑـــل أﻧـــﻪ
ﯾﺟﻌل ﻣن ﺻورة ﺣﻣﺎر اﻟوﺣش ﻣﺗﻧﻔﺳﺎً ﻟﺷﺧﺻﯾﺗﻪ ﻓﻔﯾﻬﺎ ﻧﺗﺑـﯾن ﻣوﻗﻔـﻪ ﻣـن أﺣـداث اﻟﺣﯾـﺎة ،
وﻣﺎ ﯾراﻓﻘﻬﺎ ﻣن ﺻﻌﺎب إذ ﯾﻘول
:
ﺗرﺑـــــــــــﻊ ﺿـــــــــــﺎرةً ﺣﺗـــــــــــﻰ إذا ﻣـــــــــــﺎ
ﺗرﺑــــــــــــﻊ ﺑﺎﻟﻘﻧــــــــــــﺎنِ وﻛــــــــــــل ﻓــــــــــــﺞٍ
ﻓﺄوردﻫـــــــــــــﺎ ﺣﯾـــــــــــــﺎض ﺻُـــــــــــــﻧﯾﻌﺎتِ
ﻓﺷـــــﺞﱡ ﺑﻬـــــﺎ اﻷﻣـــــﺎﻋز وﻫـــــﻲ ﺗﻬـــــوي
ﻓﻠــــــــــﯾسَ ﻟﺣﺎﻗــــــــــﻪُ ﻛﻠﺣــــــــــﺎقِ إﻟــــــــــفٍ
ﻓﻧــــــــﻰ اﻟــــــــدﻫﻼن ﻋﻧــــــــﻪُ واﻷﺿــــــــﺎء
ﺣﺑــــــــــﺎﻩُ اﻟرﻋــــــــــﻰ ﻣﻧــــــــــﻪُ واﻟﺧــــــــــﻼء
ﻓﺄﻟﻔــــــــــﺎﻫنﱠ ﻟـــــــــــﯾسَ ﺑﻬــــــــــن ﻣـــــــــــﺎء
ﻫــــــــوى اﻟــــــــدﻟوِ أﺳــــــــﻠﻣﻬﺎ اﻟرﺷــــــــﺎء
وﻻ ﻛﻧﺟﺎﺋﻬـــــــــــــــﺎ ﻣﻧـــــــــــــــﻪُ ﻧﺟـــــــــــــــﺎء















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق